أصل الأرقام والإشارات
نظرية جديدة أم الحقيقة؟؟؟
عرف
المسلمون في تاريخهم نظام حساب الجُمَّل، وهو نظام استخدموا فيه
الحروفَ الأبجدية دلائلَ على الأعداد وهي (أبجد هوز حطي كلمن سعفص
قرشت ثخذ ضظغ) فالألف واحد والباء اثنان ... إلى الياء فالياء عشرة
والكاف عشرون .. إلى القاف فالقاف مئة، والراء مئتان ... إلى الغين
فالغين ألف.
وفي
زمن ما من التاريخ توقف استخدام نظام حساب الجُمَّل، ليحل مكانه
نظام المنازل العشري مستخدماً عشرة أرقام في صورتين، عُرفت إحداهما
بالأرقام العربية وهي:
وعرفت
الأخرى بالأرقام الهندية، والصواب أن نقول الأرقام السندية، وهذه
الأرقام هي
، وتناسى الناس أصول
هاتين الصورتين،
وما عاد يقال فيها إلا الظن والنظريات.
نظريات:
وأشهرها النظرية الهندسية، التي سعت إلى تعليل صور الأرقام العربية
فحسب، فذهبت إلى أن الأرقام رسمت بناء على عدد الزوايا في كل رقم،
ففي رقم الواحد زاوية واحدة، وفي رقم الاثنين زاويتان ... كما في
الشكل (1).
ورُسم
الصفر دائرة ليكون كناية عن عدم وجود أي زاوية. ولكن هذه النظرية
رفضت لعدم العثور على أشكال مكتوبة على هذا النحو الهندسي الذي
تخيله صاحب النظرية، ثم إن صاحب النظرية وَهِمَ إذ ظن أن ما يسمى
بالطريق الهِنْدُسي مأخوذ من الهندسة، فظن وجود علاقة بين أرقام
الأعداد والهندسة، والصواب أن الطريق الهِنْدُسي هو نسبة إلى
الهندوس لا إلى الهندسة، ونزيد على ذلك التصنع في إظهار الزوايا
كما في أرقام الأعداد (5، 7، 9). أضف إلى ذلك أن ثمانية إذا كانت
مربعين يعلو أحدهما الآخر، فالأقرب أن تكون الأربعة مربعاً واحداً.
وعلى
الرغم من أن هذه النظرية مردودة عند الباحثين، غير أنها اشتهرت
لكونها النظرية الوحيدة التي قدمت تطبيقاً لما نظرت به، وإن كان
التطبيق منحصراً بالأرقام العربية دون السندية، هذا وقد بلغ من
شهرتها أن دُرست في المنهاج المدرسي(1).
ونجد
إلى جوار هذه النظرية نظريات أخرى، فمن باحث يعيد كلتا الصورتين
إلى الهند، إلى آخر ينكر أي فضل للهند في كلتا الصورتين، إلى ثالث
يذهب إلى أن كليتهما من أصل عربي، إلى رابع ينسبها إلى اليونان كي
يفرّ من نسبتهما إلى المسلمين.
أرقام الأعداد باستخدام الحروف السندية:
الَّرقْم: لغة هو الكتابة والنقش، نقول (كتاب مرقوم) أي مكتوب،
والعدد هو المقدار، فالواحد عدد أي مقدار، ورقمه؛ أي نقشه هكذا
أما السند فهي "باكستان" وتكتب باكستان اليوم بالحرف العربي لا
بحروفها القديمة. ومن الناس من يخلط بين رقم العدد –أي نقشه- ولفظ
العدد، فإذا سمع أننا نستخدم في المشرق أرقاماً سندية، وأن الأعاجم
يستخدمون الأرقام العربية، توهم أن لفظ الواحد والاثنين والثلاثة
.. الخ، هي ألفاظ هندية أو سندية، وأن ألفاظ الأعداد الأعجمية هي
ألفاظ عربية، والأمر ليس ذلك فالأرقام إنما هي النقوش لا الألفاظ.
يتحدث
البيروني عن أهل الهند فيقول: (... ليسوا يجرون على حروفهم شيئاً
من الحساب، كما نجريه على حروفنا في ترتيب الجُمَّل، وكما أن صور
الحروف تختلف في بقاعهم كذلك أرقام الحساب ....).
إذن
فحروف أهل الهند على كثرة أنواعها تختلف عن أرقام الأعداد على كثرة
أنواعها أيضاً، لكن كيف كانت صور الحروف السندية التي هي موضع
اهتمامنا؟
يذكر
ابن النديم في (الفهرست) عن أهل السند أنهم في الأكثر يكتبون
بالتسعة أحرف، فإذا انتهى الكاتب إلى الحرف الأخير عاد إلى الحرف
الأول فجعل تحته نقطتين، فإذا انتهى إلى الحرف الأخير عاد إلى
الحرف الأول فجعل تحته ثلاث نقاط، فيكون قد أتى على جميع حروف
العجم. وهذا الذي يذكره ابن النديم يذكره ابن وحشية في (الفِلاحة
النبطية) .... كما في الشكل (2).
ولنا أن نتساءل ماذا
صنع علماء الرياضيات المسلمون بهذه الحروف؟
يقول الإقليدسي متحدثاً عن تعليم الحساب للمبتدئين:
"إن أول ما ينبغي أن يُعَلّم من ذلك لمن ابتدأ بهذا العلم معرفة
الأحرف التسعة وهي
هذه
ويؤكد
السعيدان الحقيقة التالية يقول: "أخذ العرب الفلك الهندي، ومن ثمّ
نجد كتبهم المتقدمة تردد ألفاظاً سنسكريتية، ويشير إلى فلكين هنود،
وأخذ العرب الحساب الهندي، ولكننا لا نجد في كتبهم إشارة واحدة إلى
حاسب هندي، أو كاتب هندي، أو لفظ هندي".
هذه ويؤكد السعيدان الحقيقة التالية يقول: "أخذ العرب الفلك
الهندي، ومن ثمّ نجد كتبهم المتقدمة تردد ألفاظاً سنسكريتية، ويشير
إلى فلكين هنود، وأخذ العرب الحساب الهندي، ولكننا لا نجد في كتبهم
إشارة واحدة إلى حاسب هندي، أو كاتب هندي، أو لفظ هندي".
وفي
جميع ما سبق دليل على أن ما أخذه علماء الرياضيات المسلمون لم يزد
عن الحروف السندية، ثم حمّلوها دلالاتها العددية على حسب ما ألفوه
في حساب الجُمل.
وفيما
يأتي يبين الشكل (3) تطور أرقام الأعداد السندية عن الحروف السندية.
أرقام
الأعداد باستخدام الحروف العربية:
إذا
كان ثبت معنا أن علماء الرياضيات المسلمين قد نقلوا الحروف السندية،
ثم حملوها الدلالة العددية بحسب ما ألفوه في نظام الجُمل. فما الذي
دفعهم إلى ابتكار أرقام (نقوش) جديدة للأعداد؟ وفي هذا يجيبنا
الأقليدسي فيقول: "ولما جرت العادة بحساب الهند بالتخت والتراب،
وكان في ذلك بغض الغضاضة عند كثير من الناس، رأينا أن نذكر عمل ذلك
بوجه غير ما يعرفه أهل هذه الصناعة ... وليس فيما نعمله غير تغيير
الحروف ليخفي على ما رآه، فلا يعلم ما هو، ويزول عن الذي يعمل به
سوء تأويل العوام".
ويحدد
مكان الحروف السندية أحد أربعة أشياء، وهي:
الأول:
حروف حساب الجُمل التسعة الأولى، حسب (أ ب جـ د هـ و ز ح ط).
الثاني:
حروف الروم.
الثالث:
الكلمات العربية للأعداد نحو (واحد، اثنان، ثلاثة ...).
الرابع:
أي علامات أخرى يختارها واضعها، ويُتعارف عليها.
وإذا
كان الإقليدسي اقترح استعمال الحروف الأبجدية التسعة الأولى
للتعبير عن الأعداد التسعة الأولى، فإن واضع الأصول الأولى لأرقام
الأعداد نظر في نظَامَيْ ترتيبهما الهجائي (أ ب ت ث ...) والأبجدي
(أ ب جـ د ..)، فوجد أن النظام الأبجدي قد أُشغل بنظام حساب الجمل
فعدل عنه، وذهب إلى النظام الهجائي فجعل حرف الألف دالاً على
الواحد، والباء دالاً على الاثنين والتاء دالاً على الثلاثة، ثم
تطورت الحروف في طريقة رَقمها (نقشها)، انظر الجدول.
فلما
وصل واضع هذه الصور إلى التاء، ثم الجيم والحاء والخاء ثم الدال
والذال (ث، ج، ح، خ، د، ذ)، وجد أن الحروف قد بدأت تتشابه، فخشي
الخلط في أرقام الأعداد، فكان أن عدل عن النظام الهجائي، وعاد إلى
النظام الأبجدي، فلما كان الحرف الأول والثاني في كلا النظامين
واحداً وهما الألف والباء تركهما على حالهما، ثم زاد فترك التاء
كذلك، إذ كان قد سبق القلم إلى اتخاذها رقماً على العدد ثلاثة.
وبدأ
من الجيم وهو الحرف الثالث في النظام الأبجدي، فجعله رقماً للعدد
أربعة، ووجهه نحو اليسار، ثم تطور الحرف في رقمه (نقشه) انظر
الجدول. (الشكل 4).
وأما
العدد خمسة فهو إما متطور عن الدال العربية أو الدال السندية التي
استخدمها العرب، وما زالوا يستخدموا شطرها العلوي إلى اليوم، إلى
جوار الألف السندية وذلك عند تسمية زوايا المربع، كما في الشكل
(4).
ورقم
الستة هو الهاء مقلوبة، تفريقاً بين الهاء التي تدل على خمسة في
حساب الجُمل، وهذه الهاء الجديدة الدالة على الستة، كما في الشكل
(4).
ورقم
السبعة هو الواو، ورقم الثمانية هو الزاي، ورقم التسعة هو الحاء،
ورقم العشرة هو الطاء، ورقم الصفر هو دائرة الطاء، كما في الشكل
(4).
رقم الأعداد وأصل كلمة (المنزلة):
عمل
أهل الحساب عند إجراء عملية حسابية إلى جعل أرقام الأعداد في
مستطيل مقسم إلى مربعات صغيرة يشبه الشبكة، وسموا كل مربع باسم
"منزلة" والمنزلة اسم مكان، إذ هي المكان الذي ينزل فيه رَقْمُ
العدد أي نقشه.
وقد
وجد أهل الحساب كما يذكر الإقليدسي أن الأعداد مهما علت لا تخرج عن
ثلاث منازل هي: منزلة الآحاد، ومنزلة العشرات، ومنزلة المئين، وما
زاد على ذلك فهو تكرار لها، وبزيادة علامة تحت المنزلة الرابعة
تُميز بداية الألوف، وبزيادة علامة تحت المنزلة السابعة تُميز
بداية ألوف الألوف. ويرجح في الظن أن أهل الحساب كانوا يضعون رقم
العدد كاملاً في المنزلة، ويتساوى في ذلك أرقام أعداد الآحاد،
وأرقام أعداد العشرات، وأرقام أعداد المئين، فإن أرادوا أن يرقموا
عدداً نحو "ثلاثة وثلاثين وثلاثمئة، وثلاثة وثلاثين وثلاثمئة ألف
وثلاثة وثلاثين وثلاثمئة ألف ألفِ" كان ذلك على هذه الصورة؟
ثم
إنهم تركوا النقاط في أرقام أعداد العشرات والمئين مكتفين بالرقم
الأساسي، ومعتمدين على ترتيبه في المنازل، فرقم العدد ثلاثة في
المنزلة الثانية معناه ثلاثون، وفي المنزلة الثالثة معناه ثلاثمئة،
وفي الرابعة ثلاثة آلاف إلى آخر ذلك كما في الجدول.
وإليك
مثالاً من الجمع يمثل مراحل تطور العملية الحسابية، وهو مثال فيه
ما يُرفع باليد، وتنبه – عزيزي القارئ- إلى انه لا يوضع في منزلة
الآحاد إلا الآحاد، وما زاد رفع فوق منزلة العشرات، ثم جُمع ذلك
فيوضع في منزلة العشرات، وما زاد رفع فوق منزلة المئين، ثم صنع ذلك
في سائر الأعداد.
المرحلة الأولى: يُوضع رقم الأعداد كاملاً:
المرحلة الثانية: وفيها أسقطوا النقاط تخفيفاً:
المرحلة الثالثة: وفيها تخلوا عن الشبكة توفيراً للجهد، فآل الحال
هكذا:
وَهُمْ
وتَرْكَهم الشبكةَ ورسمَ المربعاتِ التي هي منازل أرقام الأعداد،
لم يتخلوا عن اصطلاح المنزلة، فظلوا يسمون الرقم الأول منزلة
الآحاد، والثاني منزلة العشرات وهكذا.
الصفر:
الصَّفْرُ، والصُّفْرُ والصِّفْرُ: الشيء الخالي، والجمع والواحد
والمذكر والمؤنث سواء نقول منزلٌ أو صفرٌ، ومنازل صفرٌ، ومنزلةٌ
صفرٌ. والأصل في اصطلاح الصفر أنه نعت للمنزلة الخالية من أي رقم
من أرقام الأعداد التسعة، وذلك في أثناء إجراء العمليات الحسابية
في الشبكة، فقيل: المنزلة الصفر في مقابل المنزلة المرقومة.
وإليك
مثالاً يمثل مراحل تطور اصطلاح الصفر ورَقْمه (نقشه).
المرحلة الأولى:
وفيها كانت بعض منازل الشبكة صفراً (خالية) من أي حرف من الحروف
التسعة وذلك نحو: ثلاثة وثلاثمئةِ وثلاثون ألفاً مجموع إلى ثلاثين
وثلاث آلافِ.
المرحلة الثانية:
وفيها جعلوا في كل منزلة صفرٍ (خالية) نقطة أو دائرة، وذلك بحسب
الصورة المستخدمة، إن كانت سندية أم عربية، وذلك لأن النقطة
والدائرة بدون أحد الحروف التسعة، لا تدل على مبلغ أو مقدار. مثال
ذلك:
المرحلة الثالثة:
وفيها تخلوا عن الشبكة توفيراً للجهد، فآل الحال هكذا:
ثم
إنهم أوقعوا كلمة (الصفر) التي هي نعت للمنزلة الفارغة من أي
رَقْمِ على الدائرة والنقطة اللتين رسمتا فيها، فصار النعت اسم علم
للدائرة والنقطة.
وأصل
النقطة التي هي رقم الصفر (أي نقشه) هي النقطة المفرقة بين الحروف
السندية، أما أصل الدائرة التي هي رقم الصفر فهي دائرة حرف الطاء
كما علمت.
والأعداد جمع عدد، وهو مقدار ما يُعَدّ ومبلغُه، وأقل العدد واحد،
وأكثره لا نهاية له. إذن فالعدد يشير إلى الوجود لأنه لا مقدار ولا
مبلغ إلا لموجود، والصفر هو الخلو والعدم. وإذا كان الوجود والعدم
متضادين فكذلك العدد والصفر، وعليه فلا يصح أن نقول إن الصفر عدد
بل هو انعدام العدد ورقمه (أي نقشه) دائرة أو نقطة وكتابته (ص، ف،
ر)(2).
الإشارات الخمس:
وهي
إشارة الجمع (+)، والسلب (-) والضرب (×) والقسمة (÷) وإشارة الناتج
(=).
أما
إشارة الجمع فهي حرف الجيم وهي الحرف الأول من كلمة (جمع). وأما
إشارة السلب وهو الطرح فهي حرف السين وهي الحرف الأول من كلمة
(سلب)،
وإشارة
الضرب من الضاد وهي الحرف الأول من كلمة (الضرب)، وإشارة القسمة هي
حرف القاف وهي الحرف الأول من كلمة (قسمة)، وللقاف في العربي
صورتان المشهورة منها بنقطتين من أعلى هكذا (ق) وأختها الفاء بنقطة
واحدة هكذا (ف)، أما صورة القاف غير المشهورة في أيامنا فذات نقطة
واحدة من أعلى هكذا (ف)، وصورة أختها الفاء غير المشهورة في أيامنا
فذات نقطة واحدة من أسفل هكذا (ب). وإشارة الناتج هي حرف الياء من
الفعل يساوي أو ينتج، كما في الشكل (5).
1-
ينظر كتاب التربية الوطنية والمدنية للصف العاشر، الوحدة الخامسة،
في البحث العلمي والفكر العربي ص (78)، وزارة التربية والتعليم –
الأردن.
2-
للإطلاع على أقوال السابقين ومناقشاتها فيما يتعلق بأصل ورقم الصفر
وتعريفه راجع ص (61-66) من الكتاب.
المراجـــــع:
*
قراءة موجزة لكتاب "الأرقام والإشارات، وحقيقة الأصل الحرفي"، أحمد
محمد أمين الهزايمة.
*
www.aseel-alsaif-alosoly.4t.com
*
ahmad1haza@gmail.com.
|