لو قدر للرياضي كارل جاوس أن يخرج من قبره لرأى كيف تحققت «نبوءته» عندما قال عبارته المشهورة: «الرياضيات ملكة العلوم»، ولدُهش كيف أن تطبيقات الرياضيات في العلوم المختلفة، قد تعدّت بمراحل ما هو متوقع منها، ثم كيف أن الرياضيات بعد أن تربعت على عرشها ردحاً من الزمان، قد تخلت عن تاجها وأصبحت خادمة للعلوم.
إن من يسأل عن تطبيقات الرياضيات في حياتنا العامة، اعتقاداً منه بمحدوديتها، كمن يسأل عن أهمية الحروف الأبجدية عند بداية تعلمها. وقد يعذر البعض في ذلك فقد ارتبطت الرياضيات بأذهان الكثيرين، بشكوى أولادهم من صعوبتها وبما يدفعونه من مبالغ نظير الدروس الخصوصية لضمان النجاح فيها، بينما ازدادت صلة الكثيرين بالرياضيات وحساباتها من خلال مؤشر الأسهم ومحاولة معرفة مُكررات الربح بعد تورطهم بها.
لكن للرياضيات جوانب أخرى، وتطبيقات هامة في مختلف مجالات الحياة، في علم النفس وعلم الفلك والطب والاقتصاد وعلم الزلازل والاتصالات والجيولوجيا وعلوم الحياة والبيئة وغيرها.
وسأقصر حديثي في هذه العجالة على مجال الرياضيات الحيوية، وقد أتطرق إلى التطبيقات الأخرى في مقالات أخرى بإذن الله.
تشمل تطبيقات الرياضيات الحيوية جسم الإنسان من رأسه حتى أخمص قدميه، ومن أمثلتها دراسة النماذج الرياضية للدماغ وتوصيل التيار في الخلايا العصبية وتبادل الأوكسجين وثاني
علماء الرياضيات يتمتعون بعملهم
لأن جهودهم تنتج عنها الصحة والسعادة
أكسيد الكربون في أجهزة الجسم وعمل مختلف أعضاء الإحساس (العيون والآذان) والكلى وذلك في علم وظائف الأعضاء الرياضي.
أما فرع الكيمياء الحيوية الرياضية فيهتم بدراسة ديناميكية السوائل، التي تشمل تدفق الدم في الشرايين والأوردة وتدفق السوائل في الأذن الداخلية، وديناميكية تدفق الغازات في الرئتين. كما تدرس الضغوط والإجهاد على العظام والعضلات.
وتدرس الرياضيات توزيع الأدوية أو بقاياها في مختلف أجزاء نظام الجسم البشري أو الحيواني في علم الحركة الدوائية الرياضي. وتقدم النظرية الرياضية في الأمراض تحليلاً لاستخدام الطرق الرياضية في تشخيص ومعالجة أمراض معينة مثل السرطان. أما فرع الهندسة الوراثية الرياضية فيشمل تصميم الأجهزة الطبية مثل أجهزة القلب والرئة الصناعية والأطراف الصناعية وأجهزة التصوير بالأشعة الطبقية المقطعية.
ولا تقتصر الرياضيات الحيوية على دراسة جسم الإنسان بل تمتد لتشمل البيئة المحيطة به، ومن أمثلة ذلك، علم الأوبئة الرياضي، وهو يدرس انتشار الأوبئة والسيطرة عليها كذلك دراسة مشاكل التلوث من خلال علم الأحياء البيئي الرياضي، ولا ننسى علم الاقتصاد الحيوي الرياضي الذي يشمل تحاليل تتعلق بالاستخدام الأمثل للموارد القابلة للتجديد مثل مزارع الأسماك والغابات.
وتبحث الديموغرافية الأرضية في نمو السكان وتأثير فئات العمر على حجم تعداد السكان وهكذا. أما علم الوراثة الرياضي فيبحث في انتقال الصفات الوراثية من جيل إلى جيل من خلال عمل المورثات، وأشمل من ذلك علم الحيوان الرياضي، الذي يبحث في نمو أعداد الكائنات الحية الدقيقة ودورها في التخمر والتحويل الحيوي للطاقة الشمسية والتخلص من الملوثات في الهندسة الصحية وغيرها كثير.
أما علم النبات الرياضي فيبحث في مشاكل مثل نمو الخلايا ونمو النباتات وأشكالها وامتصاص النباتات للأغذية ونمو الغابات والتفاعل بين الحياة النباتية والبيئة. وتعتبر العلوم المذكورة أعلاه غيضاً من فيض، وهي علوم كاملة التطور فيها من المراجع والدراسات الكثير بدرجات متفاوتة، من حيث مدى اختراقها للعلوم المختلفة. وحيث إن الأوضاع في علوم الحياة معقدة للغاية فهي تتطلب من الرياضيين أولاً فهم الوضع ثم تشكيل نموذج رياضي له واختزال نواتج هذا النموذج بواسطة التقنيات الرياضية ومن ثم مقارنة النتائج بالمشاهدات الواقعية، ويتم تكرار العملية حتى الحصول على نموذج رياضي مقبول. وكثيراً ما يتم التعاون في فرق بحثية بين الرياضيين والمختصين في العلوم المختلفة.
كانت الرياضيات في كثير من فروعها، في ما مضى، تدرس للمتعة العقلية، وهي متعة لا يتصورها إلا من عايشها، ومع تطور الحاسب الآلي الذي نتجت عنه تطبيقات أكبر للرياضيات، أصبح الرياضيون يحصلون على مزيد من الرضا والمتعة لعلمهم بأن مجهوداتهم سوف تنتج عنها الصحة
فهل للرياضيات من مغيث وهل سيقدر هذا العصر وابنائه اهميتها وتعود لتعتلي عرش ملكها من جديد؟!!!!